الوعي المزيف.. مقبرة الشعوب

[روميسة]

أخطر ما يهدد الشعب الجزائري اليوم هو الغرور الذي سينتج عن اعتقاده بأنه أصبح "واعيا" لمجرد نجاحه في تنظيم مسيرات سلميّة. فما نعيشه اليوم هو فرح خطير بوعي زائف جعلنا نعتقد أننا خلال جمعات ثلاث فقط بلغنا مصاف المجتمعات الراقية والمتحضرة. وإن "الهبة الشرائيّة" التي حدثت الأمس تؤكد أن الشعب الجزائري لا يزال بعيدا عن الوعي كممارسة جماعيّة شاملة تجعله يفرق بين ما هو في مصلحته مما دون ذلك.
الوعي يا أخي لا ياتي بين ليلة وضحاها، والوعي شيء أكبر من ان يختصر في مسيرة سلميّة، فهذه الاخيرة ما هي إلا مظهر واحد من تمظهرات "الوعي" العديدة.
** الوعي يا أخي بناء شاهق أساسه المعرفة، فيستحيل على شعب يعادي الكتاب أن يكسب فجأة الوعي الذي يبني به دولة قانون وعدل وحريّة.
** الوعي يا أخي ليس مجرد ملايين من البشر تجوب الشّوارع كل جمعة، بل هو مدى التزام تلك الحشود بالقيم التي تدافع عنها، وما نوع تلك القيم؟ بمعنى آخر هل سيتصرف الأشخاص الذين خرجوا للمسيرات بالرقي ذاته في منازلهم وفي ملاعب كرة القدم أو عندما يجلسون خلف مكاتبهم؟
** الوعي يا أخي ليس في أن تصرخ "بوتفليقة سراق"، بل في أن لا تسرق انت أيضا تحت أي ظرف كان وإلا عدّ الأمر تناقضا.
** الوعي ليس في أن تندد "بالظلم الذي تمارسه السلطة" فقط، بل في أن لا تمارسه أنت أيضا في منزلك وفي عملك وفي الشارع.
** الوعي ليس ان تقول بان "النظام يكرس للفوضى" فقط، بل الوعي أيضا ان لا تنشر فوضاك وقمامتك في الشارع وعلى الطرقات وحيث ما حللت.

إن الدعوة لعصيان مدني هي أولى ثمرات هذا الغرور، جرفت معها الملايين وهم في غمرتهم فرحين، في حين أن الواقع يقول بأنها ضد مصلحة الشعب، بل وتخدم الطغمة الفاسدة التي أضرتها المسيرات السلميّة اكثر من أي طرف آخر في الوقت الراهن.

يا اخي.. يا جزائري، الوعي لا يأتي صدفة ولا هو حتمية كونيّة، بل إن الوعي يأتي عبر عمل حضاري جاد يستغرق سنين واحيانا أجيال بأكملها. إن الأهم من الادعاء بأننا واعون هو أن نتقبل حاجتنا إلى أن نكون أكثر وعي مما نحن عليه اليوم، أي أن نعترف بالنقص المعرفي والقيمي الذي نتخبط فيه، وأنه لا أحد سيخرجنا منه إلا نحن. فلنؤسس لمستقبل واع ولا يهم إن وفقنا في إنجاز البناء ام لا، بل المهم أن نستمر في إنجازه.

حفظ الله جزائرنا اليوم وغدا وأبدا.
منقول